الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{أَفَلاَ يَعْقِلُونَ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ} لأنه يُورث الشبهة.أخبرني ابن فنجوية قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: حدّثنا حامد بن شعيب عن شريح بن يونس قال: حدّثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي عيينة عن أبيه عن الحكم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بقول العباس بن مرداس: «أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة». قالوا: يا رسول الله إنما قال: بين عيينة والأقرع. فأعادها وقال: «بين الأقرع وعيينة». فقام إليه أبو بكر رضي الله عنه فقبل رأسه وقال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ}.وأخبرنا الحسين بن محمد الحديثي قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال: حدّثنا يوسف بن عبد الله بن هامان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت: «كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيًا» فقال أبو بكر: يا نبي الله، إنما قال الشاعر:
فقال أبو بكر أو عمر: أشهد أنك رسول الله، يقول الله عز وجل: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ}.أخبرني الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق المسيبي قال: حدّثنا حامد بن شعيب قال: حدّثنا شريح بن يونس قال: حدّثنا أبو سفيان عن معمر عن قتادة: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر} قال: بلغني أنّ عائشة سُئلت هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ فقالت: كان الشعر أبغض الحديث إليه، قالت: ولم يتمثل بشيء من الشعر إلاّ ببيت أخي بني قيس طرفة: فجعل يقول: «من لم تزود بالأخبار»، فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إني لستُ بشاعر، وما ينبغي لي».{إِنْ هُوَ} يعني القرآن {إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ لِّيُنذِرَ} بالتاء وهي قراءة أهل المدينة والشام والبصرة إلاّ أبا عمرو، والباقون بالياء؛ قال: التاء للنبي صلى الله عليه وسلم والياء للقرآن.{مَن كَانَ حَيًّا} أي عاقلًا مؤمنًا في علم الله؛ لأن الكافر والجاهل ميّت الفؤاد، {وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ} يعني عملناه من غير واسطة ولا وكالة ولا شركة، {أَنْعامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} ضابطون وقاهرون.{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} سخرناها {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} قرأ العامة بفتح الراء أي مركوبهم، كما يُقال: ناقة حلوب، أي محلوب، وقرأ الأعمش والحسن: بضم الراء على المصدر.أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن هامان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال: في مصحف عائشة: {ركوبتهم} والركوب والركوبة واحد مثل: الحمول والحمولة.{وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} لحمانها.{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} من أصوافها ولحومها وغير ذلك من المنافع.{وَمَشَارِبُ} يعني ألبانها {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} أي لتمنعهم من عذاب الله، ولا يكون ذلك قط.{لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ} في النار؛ لأنهم مع أوثانهم في النار فلا يدفع بعضهم عن بعض النار.{فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} يعني تكذيبهم وأذاهم وجفاهم. تم الكلام ها هنا ثم استأنف فقال: {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} جدل بالباطل {مُّبِينٌ}.واختلفوا في هذا الإنسان من هو؟ فقال ابن عباس: هو عبد الله بن أُبيّ، وقال سعيد بن جبير: هو العاص بن وائل السهمي، وقال الحسن: هو أُمّية بن خلف، وقال قتادة: أُبي بن خلف الجمحي؛ وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم حائل قد بلي فقال: يا محمد أترى الله يُحيي هذا بعدما قد رمّ؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: «نعم، ويبعثك ويدخلك النار» فأنزل الله هذه الآية: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} بدء أمره، {قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ} بالية، وإنما لم يقل رميمة؛ لأنه معدول من فاعله وكل ما كان معدولًا عن وجهه ووزنه كان مصروفًا عن إعرابه كقوله: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] أسقط الهاء؛ لأنها مصروفة عن باغية.{قُلْ يُحْيِيهَا الذيانشأهآ} خلقها {أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَارًا} وإنما لم يقل الخضر، والشجر جمع الشجرة لأنه ردّه إلى اللفظ.قال ابن عباس: هما شجرتان يُقال لإحداهما مرخ، والأُخرى العفار. فمن أراد منهم النار قطع منها غصنين مثل السواكين، وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار أُنثى فتخرج منهما النار بإذن الله عز وجل.يقول العرب: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، وقال الحكماء: كل شجر فيه نار إلاّ العناب.{فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ} النار فذلك زادهم.{أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ} قرأ العامة بالألف، وقرأ يعقوب {بقدر} على الفعل {على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} ثم قال: {بلى وَهُوَ الخلاق العليم إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا} أي وجود شيء، {أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. اهـ.
أراد: إننى لفقير بليغ الفقر، حقيق بأن أوصف به لكمال شرائطه فىّ، وإلا لم يستقم معنى البيت، وكذلك قوله {هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} يريد: صراط بليغ في بابه، بليغ في استقامته، جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه. ويجوز أن يراد: هذا بعض الصراط المستقيمة، توبيخا لهم على العدول عنه، والتفادى عن سلوكه، كما يتفادى الناس عن الطريق المعوج الذي يؤدى إلى الضلالة والتهلكة، كأنه قيل: أقل أحوال الطريق الذي هو أقوم الطرق: أن يعتقد فيه كما يعتقد في الطريق الذي لا يضل السالك، كما بقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ الذي ليس بعده: هذا فيما أظنّ قول نافع غير ضار، توبيخا له على الإعراض عن نصائحه.
أى لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله وتسخيره لها، كما قال القائل: ولهذا ألزم اللّه سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} وقرئ: {ركوبهم} و{ركوبتهم} وهما ما يركب، كالحلوب والحلوبة. وقيل: الركوبة جمع. وقرئ: {ركوبهم} أي ذو ركوبهم. أو فمن منافعها ركوبهم {مَنافِعُ} من الجلود والأوبار والأصواف وغير ذلك {وَمَشارِبُ} من اللبن، ذكرها مجملة، وقد فصلها في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتًا} الآية والمشارب: جمع مشرب وهو موضع الشرب، أو الشرب.
|